انطلقت الحركة النسائية في فلسطين منذ مطلع القرن العشرين، ووعت المرأة العربية الفلسطينية واقع الوطن العرب عامة، وفلسطين خاصة. وساعد على هذا الوعي انتشار التعليم منذ مطلع هذا القرن بين السيدات، إذ نصت إحدى مواد دستور سنة 1908 العثماني المعروف “بالمشروطية” على ضرورة تعليم البنات، فانتشرت المدارس الآميرية إلى جانب المدارس الأجنبية والتبشيرية التي ساهمت في نشر التعليم (رَ: التربية والتعليم). وهكذا أصبح المجتمع العربي الفلسطيني يضم عدداً لا بأس به من النساء المتعلمات، كما أصبح عدد منهن يتكلمن ويتقن بعض اللغات الأجنبية إلى جانب اللغة العربية”[1].
من البدهي – والأمر كذلك – أن تبدأ الحركة النسائية في صفوف الفئات المتعلمة من نساء فلسطين، وكان أكثرهن من بنات الأسر المتوسطة أو فوق المتوسطة، دون وعي مسبق للبعد الطبقي في ذلك الحين. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الحركة النسائية سرعان ما تخطت هذا الوضع، وازدادت اتساعاً وشمولاً، وضمت بين صفوفها فئات نسوية متعددة، وشملت ميادين ومجالات كثيرة. فمن الناحية الاجتماعية تخطت الحركة النسائية الفلسطينية الفئات المتعلمة لتشمل النساء العاملات وربات البيوت والمرأة في الحقول. ومن الناحية الجغرافية امتدت لتشمل جميع مدن فلسطين وقراها الكبيرة والصغيرة. ومن الناحية الطائفية عملت في صفوفها النساء المسلمات والمسيحيات جنباً إلى جنب، ومن الناحية المحلية تفاعلت الحركة النسائية الفلسطينية مع الحركة النسائية خارج فلسطين على المستويين العربي والعالمي.
أ- الحركة النسائية الفلسطينية قبل سنة 1948. انطلقت الحركة النسائية في فلسطين منذ أوائل القرن العشرين من خلال العمل الاجتماعي الخيري وتأسيس الجمعيات النسائية ذات الأهداف الانسانية المتعددة. ومما لا شك فيه أن هذه الجمعيات ساهمت في تكوين الوعي العام بين النساء، سواء كان الوعي عملياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً، بالموضوعات التي كانت تطرح على بساط البحث، وبالأبحاث والمحاضرات والمسائل التي كانت تناقشها هذه الجمعيات، وما ترتب فيما بعد على هذا النقاش والحوار الاجتماعي والثقافي من تفاعل ساعد على انتشار الوعي بصورة عامة.
من ناحية أخرى أعانت ممارسة عملية الانتساب والانتظام في هذه الجمعيات الخيرية، على اختلاف أهدافها وواجباتها، على إدراك أهمية العمل الجماعي النسائي المنظم وفائدته للمرأة الفلسطينية.
ولما كان النشاط النسائي غير معزول عن الأمة التي ينتسب إليها فسرعان ما اندمجت الحركة النسائية الفلسطينية في الحياة الوطنية السياسية، وتخطت هذه الحركة مطالبها الخاصة الى تطلعات تشتمل على مجموع الأهداف والمواقف النضالية التي اتخذها النشاط الجماهيري العربي الفلسطيني بعد أن أصبح للحياة الوطنية، في كل قطر عربي، مسارها الخاص بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد تنفيذ التقسيمات الإقليمية التي نصت عليها معاهدات وتصريحات الدول الاستعمارية، ولا سيما اتفاقية سايكس بيكو*، ووعد بلفور*، ومؤتمر لوزان (رَ: سان ريمو، مؤتمر).
وبالفعل، اجتاحت فلسطين منذ سنة 1920 موجات من النضال الوطني عمت المدن الكبرى والقرى، وشاركت فيها الحركة النسائية الفلسطينية، فكان لها وجود في مظاهرات 27/2/1920 التي ضمت 40 ألف مواطن وطافت مدينة القدس والمدن والقرى الفلسطينية، معبرة عن رفض الشعب العربي الفلسطيني الانتداب البريطاني والأطماع الصهيونية في أرض فلسطين.
وعندما وقف ونستون تشرشل في 28/3/1921 في مدينة القدس بمجد قتلى الصليبيين واليهود قامت المظاهرات وفيها النساء تطوف أنحاء القدس هاتفة بسقوط بلفور وتصريحه وحكومته. وعندما أطلق الجنود رصاصهم خرجت نساء القدس يشاركن في نقل الجرحى الى المستشفيات وتضميد جراحهم.
ظلت الحركة النسائية على هذا الوضع حتى كانت ثورة 1929* التي اشتعلت إثر حادثة البراق وقتل وجرح خلالها الكثير من العرب، واعتقلت سلطات الانتداب المئات من الشباب العرب، واعتقلت سلطات الانتداب المئات من الشباب العرب، وصدرت الأحكام المختلفة عليهم، ومن بينها أحكام بإعدام عشرين عربياً. وعندئذ بادرت النساء الفلسطينيات إلى عقد المؤتمر النسائي الفلسطيني* في القدس فكان الأول من نوعه في الناحية التنظيمية واتجاه القرارات الوطنية، واشتركت فيه أكثر من 300 امرأة من مختلف أنحاء فلسطين، واتخذت فيه عدة قرارات، ووضعت قدرات الحركة النسائية الفلسطينية ضمن دائرة الحركة الوطنية النضالية العامة. وقد أيدت قرارات المؤتمر النسائي القرارات التي تبنتها الحركة الوطنية في مؤتمراتها السابقة (رَ: المؤتمر العربي الفلسطيني)، واتخذت هذه الهيئات النسائية قراراً بتنشيط التجارة والصناعة الوطنيين بكل الوسائل، وتعزيز الارتباط الاقتصادي مع سورية وغيرها من البلاد العربية. وقرر المؤتمر، على الصعيد النسائي، أن تسعى المرأة الفلسطينية جاهدة لقيام نهضة نسائية وطنية عربية في فلسطين تكون على اتصال بالحركات النسائية القائمة في الأقطار العربية المجاورة.
وفي نهاية المؤتمر تألف وفد لمقابلة المندوب السامي البريطاني، وألقت إحدى المشاركات كلمة أشارت فيها إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تتقدم فيها المرأة العربية للعمل في الشؤون السياسية، وطلبت باسم السيدات إلغاء وعد بلفور، ومنع الهجرة اليهودية، وتنحية المستشار القضائي لحكومة فلسطين. ثم خرجت السيدات الفلسطينيات في مظاهرة طافت مدينة القدس في ثمانين سيارة، مارة بدور قناصل الدول الأجنبية لشرح الموقف الوطني.
أصبحت الحركة النسائية الفلسطينية من معالم الحركة الوطنية الفلسطينية وجزءا لا يتجزأ منها، فكان على النساء العاملات في الحركة النسائية أن يساهمن في كل أمر نضالي أو عمل ثوري في أي بقعة من فلسطين.
وما إن حلت سنة 1933 حتى كانت الحركة النسائية الفلسطينية تنال ثقة العاملين في حقل القضية الوطنية. ولما قررت اللجنة التنفيذية في يافا (8/10/1933) القيام بالمظاهرات بشكل دوري في مدن فلسطين وقراها احتجاجاً على سياسة الانتداب البريطاني، وتطبيقاً لمبدأ اللاتعاون معها، كانت النساء الفلسطينيات في طليعة المظاهرات الوطنية، ولا سيما مظاهرة يوم 13/10/1933 في مدينة القدس. من أن الحكومة البريطانية دعت إلى عدم قيام هذه المظاهرة في بيان رسمي أعلنته في 11/10/1933 فقد خرجت المظاهرة من الحرم الشريف، واصطدم المتظاهرون برجال البوليس، وأسفر ذلك عن إصابات كثيرة بين الرجال والنساء.
لجأت الحركة النسائية الفلسطينية عندئذ إلى تأليف لجان السيدات العربيات، وانتشرت هذه اللجان وعمت جميع مدن فلسطين وقراها. وهي جمعيات ذات دستور ونظام داخلي أخذت تصدر المنشورات والبلاغات، وتوقع الاحتجاجات بإسم الحركة النسائية الفلسطينية، وتسعى لنجاح المظاهرات والمؤتمرات النسائية بحشد الأعداد الكبيرة من النسوة فيها. اتجهت وفود لجان السيدات العربيات نحو مدينة يافا* للاشتراك في المظاهرة التي تقرر القيام بها يوم 27/10/1933. وبالرغم من معارضة سلطات الانتداب نجحت هذه المظاهرات نجاحاً كبيراً وعمت مدن فلسطين وقراها.
أدى نجاح الحركة النضالية عام 1933 إلى نقطتين إيجابيتين بالنسبة إلى الحركة النسائية الفلسطينية:
1) اندماج الحركة النسائية في الحركة الوطنية الثورية المسلحة: كانت بداية هذا الاندماج في الثورة التي قادها الشيخ عز الدين القسام* (رَ: ثورة 1935). فقد ساهمت الحركة النسائية في جمع السلاح ونقله إلى الثوار. وقامت بجباية التبرعات وتوزيعها على عائلات المجاهدين، وسعت لتوفير المؤن والماء للثوار وعائلاتهم. وعندما حلت سنة 1936 كانت الحركة النسائية الفلسطينية قد أخذت تعمل في نطاق اللجنة العربية العليا*، وتنفذ قراراتها، وتدعو إلى عقد الاجتماعات النسائية لشرح مقررات اللجنة.
وقد دعت لجان السيدات العربية في فلسطين إلى عقد اجتماع كبير في مدينة يافا يوم 11/5/1936 في المدرسة الوطنية الأرثوذكسية برئاسة السيدة أديل عازر* لشرح الموقف الثوري في البلاد وعرض مقررات اللجنة العربية العليا على النساء المجتمعات (رَ: السيدات العربيات، اجتماع). واتخذت بالإجماع قرارات أهمها: تأييد اللجنة العربية العليا في جميع قراراتها، والعمل من خلالها، وإبقاء البلاد في حالة إضراب حتى تنال حقوقها. المجتمعات على مقاطعة البضائع الصهيونية مقاطعة تامة.
ساهمت المرأة الفلسطينية في ثورة 1936 – 1939* فكانت تنقل السلاح، وتشجع على متابعة القتال والثبات في وجه النحدي الصهيوني، وتقدم المعونة الطبية، وتحمل المؤن للمقاتلين. وسقط الكثير من الشهيدات، كان في مقدمتهن فاطمة غزال شهيدة معركة قرية عزون الواقعة قرب اللد يوم 26/6/1936.
2) نقل القضية إلى المستويين العربي والعالمي: اتجهت أنظار العاملات في الحركة النسائية الفلسطينية نحو مصر التي كانت الحركة النسائية فيها متقدمة عنها بقيمة الأقطار العربية، فوجهت نداء رسمياً إلى السيدة هدى شعراوي رئيسة الحركة النسائية في مصر منذ سنة 1936، فوضت إليها فيه أن تعرض قضية فلسطين على بساط البحث في مؤتمر السلم العالمي الذي سيعقد في بروكسل في شهر أيلول 1936. وفي أوائل سنة 1937 أبرقت لجنة سيدات عكا الى رئيسة الحركة النسائية في مصر مصورتا الواقع المرير الذي تعيشه فلسطين. وقد وجهت الحركة النسائية في مصر بتأثير ذلك دعوة لعقد مؤتمر نسائي شرقي لدراسة ونصرة قضية فلسطين.
وفي 15/10/1938 افتتح المؤتمر النسائي العربي* وكان وفد فلسطين أكبر الوفود إذ ضم عدداً كبيراً من النساء العاملات في الحركة، بالإضافة إلى عدد من ممثلات لجان السيدات العربيات المنتشرة في مدن فلسطين.
طرح الوفد الفلسطيني مجموعة من القضايا الوطنية كانت المحور الذي دارت حوله أبحاث المؤتمر ومناقشاته. وفازت المرأة الفلسطينية بمراكز رئيسة في لجان المؤتمر. وظهر تأثير الوفد الفلسطيني في القرارات التي اتخذها المؤتمر في جلسة 18/10/1938 وعددها 16 قراراً بدور معظمها حول قضية فلسطين ونصرة هذه القضية، ومنها تأييد المؤتمر مطالب العرب في فلسطين، وهي: إلغاء الانتداب على فلسطين على أن تحل محله معاهدة تعقد بين سكان فلسطين والحكومة البريطانية على مثال معاهدتي العراق ومصر، وتنشأ بموجبها في فلسطين دولة دستورية ذات سيادة، واعتبار وعد بلفور باطلاً من أساسه ولا قيمة له، ووقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين* وقفاً فورياً تاماً، ومنع انتقال الأراضي من العرب إلى الصهيونيين والأجانب، ورفض تقسيم فلسطين* رفضاً باتاً، واعتبار فلسطين وحدة تامة لا تتجزأ.
أما بالنسبة إلى مسار الحركة النسائية فقد اتخذ المؤتمر عدداً من الخطوات الإيجابية، في مقدمتها تأسيس الاتحادات النسائية العربية على مستوى الوطن العربي للدفاع عن القضية الفلسطينية بخطة موحدة، وتأييد الحركة النسائية الفلسطينية.
وفي سنة 1944 دعت الاتحادات النسائية العربية إلى عقد مؤتمر عربي نسائي آخر في القاهرة من أجل بحث قضية فلسطين وموقف المرأة العربية من هذه القضية. وقد استمرت أعمال المؤتمر من 12/12 – 16/12/1944. بينت السيدة هدى شعراوي في كلمة الافتتاح أن هذ المؤتمر “يعقد لدراسة قضيتي فلسطين والمرأة، وكلتاهما قضية حقوق مهضومة يجب أن ترد إلى أصحابها”، وتناولت قضية فلسطين ومراحل تطورها، ونادت بوجوب التضامن العربي تجاه هذه القضية.
خص المؤتمر القضية الفلسطينية بعدد من قرارته كان منها: تأييد حق العرب في أن تكون فلسطين دولة مستقلة تحكم نفسها حكماً نيابياً تمثل فيه الأكثرية العربية، والمطالبة بوقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، ومطالبة الشعوب العربية بتأييد قضية فلسطين واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل منع تسرب أراضي العرب إلى الصهيونيين.
تبين هذه القرارات أثر الحركة النسائية الفلسطينية، وتأثرها بالحركة الوطنية والعربية، وتدل على المستوى الفكري الذي وصلت إليه العاملات في الحركة النسائية العربية.
أما على المستوى العالمي فقد أرسلت الحركة النسائية الفلسطينية، عن طريق لجنة السيدات العربيات في القدس، كتاباً بتاريخ 3/9/1936 إلى مؤتمر السلام المنعقد في بروكسل طالبت فيه بحماية الحقوق العربية الفلسطينية المتمثلة بوقف الهجرة الصهيونية وإقامة حكومة وطنية في فلسطين، ونقلت إلى مؤتمر السلم قرارات المؤتمر النسائي الفلسطيني الذي عقد في القدس بتاريخ 11/5/1936 وكان من أهم مقرارته مقاطعة البضائع الأجنبية، ولا سيما الصهيونية.
كما أرسلت الحركة النسائية الفلسطينية بعد مؤتمر سنة 1938، مذكرة إلى جمعية “التجمع العالمي للسلام”، وهي جمعية دولية أسست في جنيف لتأييد السلام العالمي، ضمنتها القرارات التي اتخذها المؤتمر، وطالبت بتنفيذها بعد دراستها.
ورفضت الحركة النسائية الفلسطينية الدعوة التي وجهت إليها لحضور المؤتمر النسائي العالمي في نيويورك عام 1947 استنكاراً منها لموقف الرئيس الأمريكي ترومان من القضية الفلسطينية.
وعقب نكبة 1948 وجدت الحركة النسائية الفلسطينية نفسها إزاء وضع جديد فرض عليها متابعة النضال في ظروف جديدة.
ب- الحركة النسائية الفلسطينية بعد سنة 1948: انطلقت الحركة النسائية الفلسطينية بعد سنة 1948 من الساحات العربية التي وجدت نفسها فيها، ولا سيما من المخيمات الفلسطينية التي ولدتها المأساة.
والمخيمات ظاهرة اجتماعية خاصة بشعب فلسطين تخطت معنى الصراع الطبقي والإقليمي والطائفي، فهي في وقع الأمر تحد حضاري من نوع خاص وقع العبء الأكبر في تحمل مسؤولياته على المرأة الفلسطينية، سواء كانت هي المعيل والمربي، في حال فقدان رب الأسرة، أو كانت هي المربي فقط في حال وجود المعيل في مكان بعيد لكسب الرزق.
بدأت الحركة النسائية الفلسطينية مسيرتها النضالية الجديدة بتقديم الخدمات الاجتماعية الصحية والتعليمية للمرأة والأسرة في المخيم، وركزت على تحقيق خطوة إيجابية تتجلى فيها محاولة المحافظة على البقاء وتحقيق التطور الاجتماعي ألا وهي رفع مستوى التعليم بين الإناث. وفتحت الجامعات أبوابها أمام الطالبات الفلسطينيات، وأصبح الكثير منهن مدرسات في الأقطار العربية يساهمن في التفتح العلمي لهذه الأقطار من ناحية، ويحملن اليها رسالة الحركة النسائية الفلسطينية من ناحية أخرى. وتدل الإحصاءات على أنه كان يعمل في الكويت سنة 1965 من الفلسطينيات ما يقدر بنحو 2.258 فلسطينية. وفي سنة 1968 – 1969 كان في السعودية نحو 2.590، وفي البحرين 121، وفي قطر 249، وفي أبوظبي 77 فلسطينية.
تخطت الحركة النسائية الفلسطينية الميادين الاجتماعية وساهمت في الحياة السياسية على مستوى الوطن العربي. وكانت البداية مشاركتها الرجل في المظاهرات الوطنية والقومية استنكاراً للأحلاف الاستعمارية، وفي مقدمتها حلف بغداد* ومشروع تامبلر، ومشروع أيزنهاور*. وقد قدمت الحركة عدداً من المناضلات إلى ساحات السجن والاستشهاد.
وانتظمت المرأة الفلسطينية في الأحزاب السياسية العربية، وعملت من خلال هذه الأحزاب بقدر ما تسمح به التقاليد الاجتماعية وطرق العمل التنظيمي للأحزاب. فقد كان للنساء خلاياهن الخاصة وأعمالهن المحددة، كتنظيم وتهيئة المراحل الأولية لقيام المظاهرات، ونشر أفكار الحزب في أوساط الهيئات الشعبية عامة، والهيئات السياسية خاصة، وتوقيع عرائض الاحتجاج، وطباعة البيانات والمنشورات السياسية وتوزيعها. كما كانت السيدة الحزبية، ضابط اتصال “بين الحزب وأعضائه العاملين بشكل سري أو المقاتلين.
وعقب قيام منظمة التحرير الفلسطينية*، شاركت المرأة الفلسطينية في مؤسسات المنظمة وأجهزتها. فقد تمثلت في المجلس الوطني الفلسطيني* منذ دورته الأولى وفي جميع دوراته المتتالية، وضم المجلس المركزي (رَ: منظمة التحرير الفلسطينية) ممثله من الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.
وساهمت المرأة الفلسطينية بشكل مباشر في الثورة الفلسطينية.
وتبلغ نسبة من يعملن في منظمات المقاومة الفلسطينية من الفلسطينيات 51%، كما تبلغ نسبة النساء اللواتي يعشن وسط عائلات تضم أفراد يشتركون في العمل السياسي 31%.
ومن الميادين الجديدة التي دخلتها الحركة النسائية الفلسطينية ميدان النشاط النقابي العمالي، وخاصة في الضفة الغربية. فقد أشارت الإحصاءات إلى أن للمرأة نشاطاً نقابياً فعالاً في نقابتين:
الأولى اتخاذ عمال الخياطة في نابلس، وكان يضم في جهازه الإداري عام 1972 خمس نساء، والثانية نقابة الممرضين والممرضات في القدس، وكانت تضم سنة 1979 في هيئتها الإدارية ست نساء.
ولم يقتصر نشاط المرأة النقابي على هاتين النقابتين. فهناك أربع نقابات أكثر الأعضاء أكثر فيها من النساء، وهي: نقابة التعليم الخاص، وتشترك في إدارتها سيدتان، وتبلغ نسنة المنتسبات إليها 80% من مجموع أعضائها، ونقابة الغزل والنسيج (25%). ونقابة العاملين في النقل الجوي والسياحي (25%)، ونقابة الخدمات الصحية (30%)، حسب إحصاءات سنة 1979. وكان في هيئة هذه النقابات الإدارية خلال الفترة الواقعة بين 1970 و1979 عدد من النساء في كل نقابة.
وقد أثبتت المرأة الفلسطينية وجودها في عدد كبير من المهن، فكانت طبيبة ومهندسة ومحامية، إضافة إلى عملها في حقل الإعلام صحفية أو مذيعة.
وعلى صعيد المؤتمرات الدولية والعربية ساهمت الحركة النسائية الفلسطينية في المؤتمرات العالمية الكثيرة بالإضافة إلى المشاركة في المؤتمرات النسائية الفلسطينية الدورية.
ومن أهم المؤتمرات الدولية التي شاركت فيها الحركة النسائية الفلسطينية مؤتمر المرأة الافريقي – الآسيوي الذي عقد في القاهرة (14-23/1/1961)، وقد مثلها فيه وفد من خمس نساء. وكان المؤتمر الأول من نوعه، إذ عقد ليناقش قضايا المرأة في القارتين الكبيرتين، وأصدر قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية، فأعلن أن (إسرائيل) قاعدة استعمارية يهدد وجودها السلام العالمي، كما أعلن تأييده جميع الحقوق الشرعية لشعب فلسطين، كحقه في العودة إلى وطنه. وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وطالب بمنح الهجرة الصهيونية، وأيد القرار الذي اتخذته الدول العربية لبحث الكيان الفلسطيني.
واشتركت أيضاً في المؤتمر النسائي العربي السادس الذي عقد في القاهرة بتاريخ 1/5/1966، وشارك الوفد الفلسطيني في عضوية لجنة قضايا الوطن العربي، ولجنة النشاط الدولي.
وأصدر هذا المؤتمر قراراً ينص على وضع دستور جديد لاتحاد نسائي عربي كبير يضم جميع السيدات الأعضاء من الاتحادات والمنظمات والجمعيات النسائية العربية، ومنها اتحاد المرأة العربية الفلسطينية.
ومن المؤتمرات التي اشتركت فيها الحركة النسائية الفلسطينية مؤتمر المرأة العربية الذي نظمته جامعة الدول العربية بالاشتراك مع منظمة رعاية الطفولة التابعة لهيئة الأمم المتحدة في القاهرة سنة 1972.
وكانت المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تشارك في هذه المؤتمرات حتى حرب 1967* حين أصبح الأمر صعباً بسبب الاحتلال الإسرائيلي. ولكن نشاط الحركة النسائية في الأراضي المحتلة ظهر بسمات وتضحيات جديدة متميزة بالإضافة إلى العمل الاجتماعي الخيري الذي ظل مستمراً.
وكانت أهم هذه السمات العمل الثوري الذي شمل جميع الميادين والمجالات بدءاً بالمظاهرات والاضرابات وانتهاء بالعمل المسلح. وقد تعرضت المرأة الفلسطينية نتيجة ذلك الاعتقلال والتعذيب داخل السجون الإسرائيلية*، وللنفي والإبعاد خارج أرض الوطن (رَ: النفي والإبعاد من فلسطين، سياسة).
ج- الجمعيات النسائية: تظهر معالم صورة تأسيس الجمعيات النسائية الفلسطينية منذ سنة 1903. فقد تأسست جمعيات نسائية تطوعية ذات أهداف خيرية نسائية في معظم المدن الفلسطينية. ولم يكن لهذه الجمعيات برامج تتقيد بها، ولا أماكن تعقد اجتماعاتها فيها. وكانت لقاءات الأعضاء تتم في المنازل أو الغرف التابعة للأديرة والمدارس.
ومنذ العقد الثاني للقرن العشرين اتخذت الجمعيات النسائية الفلسطينية صورة واضحة المعالم محددة الأهداف. وقد تطورت إلى جمعيات ذات برامج واضحة وحياة تنظيمية داخلية شملت التجارب هيئة إدارية تقوم بدورها بانتخاب الرئيسة وأمينة السر وأمينة الصندوق وتعين بعض الموظفين. كما سجلت هذه الجمعيات في سجلات الدوائر المختصة.
وكثيراً ما كانت الاشتراكات والتبرعات هي المرود المالي الرئيس لهذه الجمعيات، بالإضافة إلى بيع إنتاج أعضاء الجمعية من الأشغال اليدوية المتنوعة.
ولا يمكن خصر هذه الجمعيات بشكل دقيق. فقد توقف الكثير منها عن العمل خلال الحرب العالمية الأولى، وبعد التطورات السياسية التي شهدتها فلسطين وتبلورت بحلول نكبة 1948.
وأبرز هذه الجمعيات، مرتبة في مراحل زمنية:
1) الجمعيات النسائية الفلسطينية بين عامي 1903 و1928: إن السمة الرئيسة لجمعيات هذه الفترة هي السمة الخيرية الإنسانية والثقافية، وتتبع أهميتها من كونها أولى الجمعيات التي تكونت في فلسطين، وأهمها:
(1) جمعية إغاثة المسكين الارثوذكسية: تأسست في مدينة عكا* سنة 1903 برئاسة نبيهة الملكي منسى وبقيت تعمل بنشاط حتى سنة 1916.
وهدفها الأول تجهيز الفتيات الفقيرات من بنات الطائفة الأرثوذكسية.
(2) جمعية عقد اليتيمات الأرثوذكسيات: تأسست في مدينة يافا سنة 1910 برئاسة أديل عازر التي بقيت في هذا المنصب حتى أغلقت الجمعية سنة 1947.
وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية قد توقفت عن العمل خلال الحرب العالمية الأولى، ثم استعادت نشاطها بعد الحرب فافتتحت مدرسة وطنية سنة 1923، عرفت فيما بعد باسم “الكلية الأرثوذكسية بيافا”، تخطت الطائفية وضمت في رحابها كل طالبة عربية دون أية تفرقة.
حققت الجمعية هدفها الأول، وهو تعليم الفتيات المتفوقات في يافا وإرسالهن إلى الخارج على نفقة الجمعية منذ سنة 1923، وقامت ببناء ثلاثة مخازن تجارية ليصرف ريعها على الجمعية والمدرسة، بالإضافة إلى مواردها الخاصة.
(3) جمعية تهذيب الفتاة الأرثوذكسية: تأسست في مدينة القدس* سنة 1918 وبقيت تعمل بنشاط حتى سنة 1947، وتولت رئاستها كاترين شكري ديب.
كان الهدف الأول للجمعية تعليم الفتيات المتفوقات في المعاهد العليا. وقد تمكنت من تعليم الكثير من الفتيات في الكلية الإنكليزية وكلية شمدت في القدس. وسعت جاهدة إلى تحقيق مشروع المعهد العالي للإناث، ولكنها توقفت عن العمل قبل تنفيذ المشروع.
(4) الجمعية النسائية: تأسست في مدينة نابلس* سنة 1921 وبقيت في مقدمة الجمعيات النسائية حتى سنة 1938 حين أعيد تأسيسها وأصبحت تعرف باسم الاتحاد النسائي العربي بنابلس. وكانت رئيستها طوال هذه المدة مريم عبد الغني هاشم.
تهدف هذه الجمعية إلى تحسين وضع المرأة العاملة من الناحيتين الاجتماعية والصحية، ورفع مستوى عيش الأسرة الفقيرة، ومكافحة الأمية.
ومنذ ثورة 1929 أصبحت هذه الجمعية ذات سمة نضالية – سياسية، أسوة بالجمعيات التي تأسست في هذه الفترة، إذ أمدت المجاهدين بالمال والأسلحة، وتبنت الإشراف على أسر الشهداء، واشتركت في قيادة المظاهرات، بالإضافة إلى إصدار البيانات السياسية ورفع الاحتجاجات الدولية استنكاراً للأوضاع القائمة في البلاد.
(5) جمعية العناية بالطفولة: تأسست في مدينة يافا سنة 1923 وبقيت تعمل حتى سنة 1947، وافتتحت لها عدة فروع في حيفا، نابلس، ورام الله، وغيرها.
وقد ترأست الجمعية في بادىء الأمر قرية وديع تماري، وتلتها السيدة صايغ، ثم ماري برتقش لمدة 15 سنة.
أهم أهدافها العناية بالطفولة والأمومة ورعايتهما صحياً وغذائياً. ولتحقيق هذا الهدف افتتحت مستوصفاً لعناية الأطفال ومعالجتهم وتلقيحهم ضد الأمراض، وخاصة شلل الأطفال.
وكانت تقدم الحليب والأغذية الخاصة والأدوية مجاناً للأطفال وأمهاتهم. وأخذت على عاتقها توعية الأمهات بالقاء محاضرات مبسطة عن تربية الطفل والعناية به.
(6) جمعية حاملات الصليب: تأسست سنة 1926 برئاسة سلمى الحمصي سلامة، وتلتها ميليا يعقوب الحلبي. وقد توقفت عن العمل بعد سنة 1948، ثم أعيد تسجيلها سنة 1965.
اتخذت الجمعية من تقديم المساعدة للمرضى واليائسين والمحتاجين هدفها الأول. ومن أجل تحقيقه افتتحت مستوصفاً كبيراً وفرت فيه الدم للمرضى، وأنشأت دار نقاهة في محلة القطمون في القدس. ولكنها خسرت ممتلكاتها هذه بعد حرب 1948*.
2) الجمعيات النسائية الفلسطينية بين عامي 1929 و1937: كان المنطلق لتأسيس الجمعيات النسائية في فلسطين منذ سنة 1929 هو ثورة البراق (رَ: ثورة 1929). ولذلك اتسمت أهدافها بالسمة النضالية السياسية، بالإضافة إلى السمات الخيرية والثقافية. وأهم هذه الجمعيات:ديلأأ
(1)
1)
2)
3)
4)
جمعية السيدات العربيات: تأسست في مدينة القدس سنة 1929 إثر اجتماع نسائي كبير عقد في المدينة لوضع الخطوط الرئيسة لمشاركة المرأة العربية الفلسطينية في ثورة البراق والقضايا السياسية التي تواجهها البلاد. أما أول رئيسة لها فهي نعمتي العلمي.
عرفت هذه الجمعية أيضاً باسم: لجان السيدات العربيات، وافتتحت عدة فروع لها، أشهرها فروع نابلس، ويافا، وعكا، وحيفا، وغزة، ورام الله، ثم عمت فروعها أنحاء فلسطين كلها.
بقيت فروع الجمعية على نشاطها حتى سنة 1938، إذ تحول معظمها إلى اتحادات نسائية، في حين بقي فرع الجمعية في القدس يحمل الاسم الأول نفسه ويعمل إلى جانب الاتحاد النسائي.
توقف فرع القدس عن العمل منذ سنة 1948، ولكن أعيد تأسيس وتسجيل الجمعية في القدس سنة 1965، واقتصرت أهدافها على الناحيتين الثقافة والخيرية، وأما رئيستها فكانت زهية النشاشيبي.
كان أهم ما يميز جمعية السيدات العربيات أنها أولى الجمعيات النسائية التي تخطت الطائفية على مستوى أعضاء الهيئة العامة للجمعية، ونصت في دستورها على حق سيداتها بالمشاركة في العمل السياسي، وتبنت شرح القضية الفلسطينية في المؤتمرات الدولية والمحلية، كما نظمت المظاهرات النسائية التي كان يتقدمها علم فلسطين ولافتات الاحتجاج على الوضع العام، وجعلت من أهدافها مساعدة المنكوبين ورعاية أسر الشهداء وأسر المناضلين السياسيين، وتبني أبناء الشهداء من الثوار، بالإضافة إلى رفع مستوى المرأة الفلسطينية اجتماعياً وأدبياً وثقافياً وسياسياً.
3) الجمعيات النسائية الفلسطينية بين عامي 1938 و1948:
(1) الاتحادات النسائية: تأسست الاتحادات النسائية في فلسطين سنة 1938 إثر القرارات التي اتخذها المؤتمر النسائي الذي عقد في القاهرة سنة 1938 برئاسة هدى شعراوي زعيمة الحركة النسائية بمصر لبحث القضية الفلسطينية (رَ: المؤتمر النسائي العربي). وقد توقف معظم هذه الاتحادات عن النشاط بسبب حرب 1948.
فقد تأسس الاتحاد الانسائي في مدينة القدس برئاسة زليخة الشهابي، وتوقف فترة عن العمل بعد 1948، ثم أعيد تسجيله سنة 1957.
وتأسس الاتحاد النسائي في مدينة نابلس وسجل في سجل الجمعيات عام 1945 برئاسة عندليب العمد، وأعيد تسجيله بتاريخ 16/8/1965.
أما الاتحاد النسائي في مدينة عكا فقد بقي يعمل حتى سنة 1948، وكانت رئيسته رقية حقي الكرمي، ثم أسمى طوبي.
يضاف إلى ذلك الاتحادات النسائية في رام الله* (أعيد تسجيله سنة 1965)، والبيرة*، وبيت لحم* (أعيد تسجليهما سنة 1965)، وطولكرم* (أعيد تسجيله سنة 1953).
وقد شاركت الاتحادات النسائية في الأعمال السياسية من مظاهرات وندوات ومؤتمرات، على المستويين العالمي والمحلي لشرح القضية الفلسطينية، ودعت إلى مقاطعة البضائع الأجنبية، وعقدت المؤتمرات والندوات الثقافية للتوعية، وقامت مندوباتها بزيارة المعتقلين السياسيين في سجونهم ورعاية أسرهم، ومساعدة أسر الثوار الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية، وفتح المدارس لأبناء الشهداء بشكل خاص، ومحو الأمية بشكل عام.
(2) جمعيات الهلال الأحمر: تأسست هذه الجمعيات في مدن فلسطين المختلفة نتيجة للأوضاع التي كانت تمر بها البلاد منذ 1936. وبالرغم من أنها توقفت فترة بسيطة فقد عادت للعمل بعد اعادة تسجيلها منذ سنة 1950 في القدس ونابلس وجنين* وعرابة* والبيرة وقباطية*.
أما أهداف هذه الجمعيات فهي: التمريض وتقديم الإسعافات الأولية، وفتح العيادات الطبية، وتقديم المساعدات والخدمات للمعتقلين السياسيين وأسرهم، إضافة إلى الخدمات الاجتماعية بشكل خاص. وهذه الجمعيات ذات اتصال وثيق بالمؤسسات الصحية الدولية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر الدولي.
4) الجمعيات النسائية الفلسطينية بين عامي 1949 و1979: كانت الجمعيات في هذه الفترة نوعين،الأول الجمعيات النسائية التي سجلت ثانية بعد توقف العمل فيها إثر نكبة 1948، وزاولت نشاطها في الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية. والثاني الجمعيات النسائية الفلسطينية التي تكونت في أنحاء الوطن العربي، وكان أبرزها:
(1) الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني*: تأسس في مدينة بيروت سنة 1952 برئاسة وديعة قدورة خرطبيل التي كانت رئيسة الاتحاد النسائي في طولكرم، وهو أقدم هذه الاتحادات. (رَ: الاتحاد النسائي العربي الفلسطيني).
(2) الاتحاد العام للجمعيات الخيرية: تأسس في 1/1/1959 في ضفتي الأردن من ممثلي اتحادات الجمعيات الخيرية في المحافظات ومن ينضم إليهم من الجنسين. ويبين الجدول التالي عدد اتحادات الجمعيات الخيرية في الضفة الغربية:
المحافظة | تاريخ التأسيس | عدد الجمعيات عند التأسيس | عدد الجمعيات سنة 1979 |
محافظة القدس محافظة نابلس محافظة الخليل | أوائل سنة 1958 15/ 5/ 1958 28/ 10/ 1958 | 35 16 5 | 66 34 23 |
المجموع | 56 | 123 |
وعندما تم تسجيل الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في الأردن بتاريخ 3/4/1961 كانت هذه الاتحادات ممثلة فيه الى جانب اتحادات الضفة الشرقية.
د- دور الجمعيات النسائية الفلسطينية في مختلف الميادين: حققت الجمعيات النسائية الفلسطينية منذ مطلع القرن العشرين منجزات ذات أبعاد متعددة في مختلف الميادين، وساهمت في صنع الوعي الاجتماعي والصحي والثقافي والسياسي في المجتمع الفلسطيني.
ولا بد من الإشارة إلى أن الجمعيات التي تأسست قبل سنة 1948 كانت تقوم بدور فعال في عدة مجالات، إيماناً منها بأن الظروف القائمة في الأرض العربية الفلسطينية تستدعي العمل الإنساني المتكامل.
أما الجمعيات التي تأسست أو أعادت تأسيسها بعد سنة 1948 فكانت على نوعين:جمعيات تسعى لتحقيق هدف واحد هو تأدية الخدمات للمواطنين، كرعاية المعوقين والأطفال والمسنين، والعناية بالتعليم، وتنظيم الأسرة، والرعاية الصحية، وجمعيات ذات أهداف متعددة تقوم بتأدية خدمات تشمل عدداً من الميادين والمجالات:
1) المجال الاجتماعي: كان المجال الاجتماعي في مقدمة مجالات نشاط الجمعيات النسائية، فهو يتوافق وأهدافها ذات السمات الخيرية. وقد عملت من خلاله على تحقيق رعاية الأمومة والطفولة، ورعاية اليتيم، والعناية بأبناء الشهداء في مختلف المراحل التعليمية، وافتتاح مراكز تنظيم الأسرة وتحديد النسل، وتعليم السيدات مهنا تساعدهن على كسب العيش بطرق سليمة، وتجهيز الفتيات المعوزات في حال زواجهن.
قامت جمعية العناية بالطفولة في مدينة يافا منذ تأسيسها برعاية الأم الحامل قبل الولادة وبعدها حتى يبلغ الطفل الخامسة من عمره.
وأسست جمعية تهذيب الفتاة الأرثوذكسية في القدس منذ سنة 1926 بيت التوليد،وبيت الأطفال المشلولين، ودار حضانة للأطفال. وعندما تأسست جمعيات التضامن في أنحاء فلسطين سنة 1942 وقف المركز الرئيس في القدس خدماته على العناية بالأمومة والطفولة، ولا سيما العناية بالمرأة العاملة وأطفالها. وافتتحت فروع هذه الجمعية في المجدل* وغيرها دور الحضانة للأطفال بين الثالثة والخامسة من عمرهم.
وتبنت جمعية دار اليتيم العربي بالقدس العمل على إسعاد الطفولة بعامة والأيتام بخاصة، وأنشأت مدرسة كانت تضم حتى سنة 1966 نحو 570 ولداً، منهم 300 ولد من الأيتام تراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة. أما الآن فالجمعية ترعى 250 يتيماً، وتعلم على حسابها 1.000 طالب معظمهم من أبناء الشهداء أو من الأيتام بصورة عامة.
وقدمت جمعيات تنظيم وإنعاش الأسرة في مدينة القدس وغيرها من المدن خدمات في مجال تحسين وضع الأسرة بشكل عام، وتنظيم النسل بشكل خاص في أوساط العائلات المحدودة الدخل، وعملت على تشغيل الأيدي العاملة من السيدات لإحياء التراث الفلسطيني والصناعات اليدوية كأشغال الابرة التي اشتهرت بها مدن فلسطين، ولتحسين دخل هذه الأسر من جهة أخرى. كما عملت الاتحادات النسائية على افتتاح مراكز لرعاية المسنين، ورعاية المعوقين، ومراكز تغذية، وتدريب وتأهيل مهنتي لتعليم الحياكة والغزل والنسيج. وقد تخرج من المدرسة المهنية لتعليم التفصيل والخياطة في مدينة نابلس بين عامي 1931 و1966 نحو 2.193 إمرأة. واستفاد من معمل النسيج الذي أقامه الاتحاد النسائي في مدينة رام الله عدد كبير من السيدات بعد تصدير منتجاته للخارج.
2) المجال الصحي: ساهمت الجمعيات النسائية الفلسطينية في المجال الصحي بإنشائها مراكز تعليم التمريض والإسعاف. ودعت أطباء المدينة التي قامت فيها جمعية نسائية للمساهمة في مشاريعها الصحية. وعندما قامت الجمعيات النسائية ببناء بعض المستشفيات والمراكز الصحية في أكثر المدن الفلسطينية، عينت الأطباء في هذه المستشفيات والمراكز، كما عمدت الجمعيات الخيرية* إلى تعيين أطباء للعمل في مراكز رعاية الأمومة والطفولة التابعة لها.
وافتتح الاتحاد النسائي في مدينة القدس مستوصفاً لمعالجة المحتاجين، ولتلقيح الكبار والصغار ضد الأمراض السارية. وأشار إحصاء لجنة المستوصف إلى أنه قد عولج فيه خلال عام 1946 2.891 مريضاً، منهم50% من الأطفال و40% من المتزوجين، و10% من العزاب، ما عدا 662 ضمدت جروحهم، وعدداً لا يحصى من المراجعين المختلفين.
أما الاتحاد النسائي في مدينة نابلس فقد حول سنة 1947 دار الاتحاد إلى مستشفى، بالإضافة إلى كثير من الدور التي تحولت إلى مستشفيات للطوارىء واستقبال جرحى المعارك. وبعد سنة 1948 تحول مستشفى الاتحاد الذي عرف باسم مستشفى الشهباء إلى مستشفى لتوليد النساء اللاجئات، فكان يستقبل ما يقارب 450 مولوداً في العام، ويعالج الأمهات الحوامل. وتدل الإحصاءات الأخيرة على أن عدد المستفدين من مستشفى الاتحاد النسائي بنابلس بلغ 25.484 مريضاً بلغت تكاليف علاجهم 156.352 ديناراً أردنياً.
ولم يقتصر المجال الصحي على جمعيات الاتحاد النسائي بل ساهمت فيه إلى حد كبير جمعيات الهلال الأحمر التي افتتحت المستشفيات والعيادات الطبية. وتشمل العيادات الطبية التي افتتحها الهلال الأحمر في مدينة رام الله قسماً لتخطيط القلب، وقسماً لرعاية الأطفال. وبلغ عدد المستفدين من الخدمات الصحية حسب الإحصاءات الأخيرة ما يقارب 14.221 مستفيداً أنفق على علاجهم 13.520 ديناراً أردنياً.
3) المجال الثقافي: عملت الجمعيات النسائية الفلسطينية على إنشاء النوادي الثقافية، وتوفير مساكن للطالبات المغتربات، ومساعدة المتفوقات لاتمام دراستهن، وتأمين عملهن في مدارس الجمعية. كذلك عملت الجمعيات على تأسيس المدارس المختلفة، وساهمت في محو الأمية بشكل عام، وركزت على المخيمات فيما بعد بشكل خاص.
تبنت جمعيات التضامن التي تأسست سنة 1942 تأسيس المدارس لجميع المراحل التعليمية، وكانت أول جمعيات تصدر نشرات ثقافية تتضمن الأخبار الثقافية، ولا سيما أخبار نشاط جمعيات التضامن.
وأسس فرع التضامن في مدينة يافا نادياً ثقافياً كانت تلقى فيه المحاضرات وتقام الندوات. وأسس فرع تضامن عكا فرقاً مسرحية تقدم التمثيليات ذات المضمون الوطني. وأما نادي فتاة العرب بمدينة حيفا فكان هدفه الأول تثقيف المرأة عن طريق المحاضرات والمناظرات الأدبية.
وتحقيقاً لمزيد من الثقافة أضافت أكثر الجمعيات إلى نواديها الثقافية مكتبة وقاعة مطالعة. وكانت الريادة في هذا المضمار لنوادي لجان السيدات العربيات في يافا والقدس.
وساهمت الاتحادات النسائية في هذا المجال فأسس اتحاد نابلس سنة 1945 النادي الثقافي الرياضي، ثم أسس معهداً ثانياً للنادي سنة 1947 تتعلم فيه الفتيات الطباعة والاختزال والمحاسبة ويدربن على طرائق مكافحة الأمية وتعليم اللغات الأجنبية. وأضاف اتحاد القدس تعليم صناعة الأزهار لأول مرة، وقدمت فتيات القدس خبرتهن في هذا المجال للمعرض الصناعي الزراعي الذي أقيم بالقاهرة سنة 1947.
وتدل الإحصاءات على أن جمعية النهضة النسائية في القدس تعلم 12 طالباً وطالبة تعليماً جامعياً تبلغ نفقته في العام 1.100 دينار أردني، في حين تقدم جمعية الاتحاد النسائي في طولكرم ومثلا مبلغ 621 ديناراً لنحو 120 طفلاً في دار الحضانة وروضة الأطفال التي يشرف عليها الاتحاد.
4) المجال السياسي: لبت الجمعيات النسائية الفلسطينية، ولا سيما لجان السيدات العربيات، النداءات الوطنية التي وجهتها الهيئات السياسية الفلسطينية، فتبنت القضايا السياسية مثل إقامة المظاهرات، وإصدار البيانات السياسية، وإعلان الاضراب العام، وعقد المؤتمرات المحلية والعربية، ومحاولة نقل القضية وشرحها إلى المؤتمرات الدولية.
وكانت الجمعيات النسائية أقدر من الهيئات الأخرى على تحدي بلاغات الحكومات التي ترمي إلى إلغاء الاضرابات والنشاط الوطني، كما حدث يوم 13/10/1933 عندما قامت الجمعيات النسائية بمظاهرة كبرى تنفيذاً للقرار الذي اتخذته الهيئات الوطنية في اجتماع عقد يوم 8/10/1923. وقد اصطدمت المظاهرات برجال البوليس، ولكن هذا الردع أدى إلى القيام بمظاهرة كبرى في مدينة يافا يوم 27/10/1933 دعت إليه جمعية السيدات العربيات، وشاركت فيه وفود الجمعيات النسائية.
وعندما تصاعد النضال الثوري في فلسطين سنة 1936 ساهمت المرأة من خلال الجمعيات في عقد الاجتماعات السياسية، وكان أكبرها الاجتماع الذي عقد يوم 11/5/1926 في المدرسة الوطنية الأرثوذكسية بيافا (رَ: السيدات العربيات، اجتماع).
وعقدت الجمعيات النسائية في 27/7/1936 اجتماعاً كبيراً بمناسبة اليوم المئوي للاضراب العام على نداء اللجنة العربية العليا. وقدمت النساء الحلي والمجوهرات لتباع وينفق ثمنها على أسر الثوار والمنكوبين.
المراجع :
– إجلال خليفة: الحركة النسائية الحديثة، القاهرة.
– أسمى طوبي: عبير ومجد، بيروت 1966.
– الياس خوري: إحصاءات فلسطينية، بيروت 1974.
– سهيلة الريماوي: من وحي السد العالي: ثورة أمة وقلب أم، القاهرة 1964.
– غازي الخليلي: المرأة الفلسطينية والثورة، بيروت 1977.
– نزيه قورة: تعليم الفلسطينيين – الواقع والمشكلات، بيروت 1975.
– الاتحاد النسائي المصري: المرأة العربية وقضية فلسطين، القاهرة 1938.
– دليل الجمعيات الخيرية في الضفتين الشرقية والغربية، عمان 1980.
الحركة الوطنية التقدمية :
رَ: الطلبة العرب في الجامعات العبرية (لجان – 1958).
[1] لا توجد إحصائية تدل على عدد مدارس البنات في الربع الأول لهذا القرن، غير أنه في العام 1935 كان في فلسطين 15 مدرسة للبنات وفي العام الدراسي 1945 – 1946 بلغ عدد المدارس ككل 514 مدرسة كان عدد الطالبات فيها 16.506 من مجموع 81.042 طالباً.